بقلم: لانا مراد
#الكاتبة_الصغيرة
أُمِّي، ها أَنا أَبْلُغُ مِنْ العُمْرِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَبِيعاً، وَمَعَ ذٰلِكَ أَجِدُ نَفْسِي أَهْرَعُ إِلَيْكِ وَكَأَنَّنِي طِفْلَةٌ لَمْ تَتَجاوَزْ خَمْسَ سَنَواتٍ. أَبْحَثُ عَنْ حِضْنِكِ الدافِئِ لِأَخْتَبِئَ فِيهِ، وَأَحْتَمِي مِنْ قَسْوَةِ هٰذا العالَمِ الفَسِيحِ. أَعُودُ إِلَى المَنْزِلِ فِي غُرْبَتِي، أُفَتِّشُ عَنْكِ وَعَنْ صَوْتِكِ الحَنُونِ الَّذِي كانَ يَنْشُرُ عَبِيرَ الزُهُورِ فِي أَرْجاءِ بَيْتِنا. أَسْعَى إِلَيْكِ كَيْ تُسانِدِينِي وَتُشَجِّعِينِي بِلا كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ، رَغْمَ أَنَّنِي دَرَسْتُ الطِبَّ، إِلّا أَنَّ كُلَّ عَوْدَةٍ إِلَى إِلَيْكِ تَكُونُ بَحْثاً عَنْ عِلاجٍ لِأَوْجاعِي الَّتِي تَجْمَعِينَها وَتُعالِجِينَها بِحَنانِكِ. لَقَدْ كَبُرْتِ يا أُمِّي، لٰكِنَّنِي ما زِلْتُ طِفْلَتَكِ المُدَلَّلَةَ الَّتِي لَمْ تَكْبُرْ أَبَداً عَنْ حِضْنِكِ وَحَنانِكِ. أَفْرَحُ فَتَتَراقَصُ عَيْناكِ بِالفَرَحِ قَبْلَ أَنْ تُشْرِقَ اِبْتِسامَتِي، وَأَحْزَنَ فَتَدْمَعَ عَيْنَيْكِ قَبْلَ أَنْ تَذْرِفَ دُمُوعِي، تَتَحَدَّثِينَ بِأَوْجاعِي وَكَأَنَّ ما أَصابَنِي قَدْ أَصابَكَ، فَبِرَبِّكِ يا أُمِّي أَيُّ قَلْبٍ فِي هٰذِهِ الدُنْيا هُوَ قَلْبُكِ، وَأَيُّ حَدِيثٍ فِي هٰذِهِ الدُنْيا قَدْ يُوَفِّيكَ حَقَّكَ، وَالشُكْرَ أَمامَ عَطائِكَ يَخْجَلُ، وَالوَرْدُ أَمامَ عَيْنَيْكِ يَذْبُلُ، وَإِنَّ الجَمالَ مِنْ حُسْنِكِ خَفَرٌ، يا مَنْ كُنْتُ بِجِوارِي دَوْماً حَتَّى عِنْدَما فَرَّقْتُ بَيْنَنا المَسافاتُ، فَأَخْبِرْنِي يا أُمِّي كَيْفَ لِجَمالِكَ أَنْ تَنْسُجَ لِأَبْياتٍ، وَكَيْفَ لِحُسْنِكَ هٰذا أَنْ تُعَبِّرَ عَنْهُ بَعْضَ الكَلِماتِ، وَإِنْ تاهَتْ بَسْ السُبُلَ يَوْماً، فَأَنْتَ كُلُّ الجِهاتِ، يا صاحِبَةَ قَلْبِي وَالدَقّاتِ، يا فِلْذَةَ كَبِدِي وَالفُؤادِ، يامَنْ غِبْتَ عَنْ ناظِرِي، وَلٰكِنَّ شَغافَ حُبِّكِ باقٍ فِي قَلْبِي ما تَعاقَبَ ليلاً وَأُضِيئَتْ نَهاراتٌ.
فَاللّٰهُمَّ اُرْزُقْنِي بِرَّ والِدِي وَوالِدَتِي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عُقُوقِهِما، اللّٰهُمَّ لا تَرَنِي فِيهِمْ بَأْساً يُبْكِينِي، يا رَبِّ لا تَجْعَلْ فِي قَلْبِهِما مِنْ الحُزْنِ وَالهَمِّ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، رَبُّ اِرْزُقْهُما أَجْمَلَ مِمّا يَتَمَنَّيانِ، وَأَسْعَدَ قَلْبُهُما لِيُسْعِدَ قَلْبِي يا كَرِيمُ يا اللّٰهُ، اللّٰهُمَّ أَطِلْ عمرهما بالصحة والعافية، وأدخلهماَّ الجنة مِنْ غَيْرِ حِسابٍ وَلا سابِقٍ عَذابٍ بِرَحْمَتِكَ وَعَفْوِكَ.
اللّٰهُمَّ آمِينَ