تمضي الأيام سريعة، بين فرح مُقبل وهمّ مُدبر، ونحن لا ندرك – ولا نريد ان ندرك- أن الدنيا تمر بنا و تسلب منا الكثير من الأوقات التي نؤجلها و لا نعيشها لنصتدم بالواقع الذي قد تجاوزنا و رحل سريعا، واقع أن لكل شيء نهاية ولكل إجتماع مفقود، وأننا جميعًا قاب قوسين أو ادنى من الفقد الأبدي الذي نُغمض أعيننا عنه فنظلم ونحقد ونكره ونقطع أرحامنا ونؤذي ونغتاب دون ادنى إلتفاتة الى واقع أننا قد لا نلتقي بعد ساعتنا هذه.
ثم لا يسعفنا الوقت لأشخاص كنا نود المكوث معهم أطول ،و آخرون كنا نود أن نقول لهم وداعاً و آخرون قد عاثت بنا الأحقاد والغيرة والكراهية حتى إنقطعت بيننا المودة والوصال، ثم مضى الوقت وقد كُنا نتمنى أن نصلح ما بيننا و بينهم قبل أن يحول الفقد بيننا و لكن الوقت لا ينتظر أحد.
كم من الفرص تضيع كل يوم و كم من المشاريع تؤجل و كم من الزيارات و الواجبات تسوف للغد و لبعده ، أشياء كثيرة تمضي دون أن نرمقها ولو بنظرة، و أحداث عديدة تمر دون أن يتاح لنا فرصة المشاركة فيها بحجة الانشغال بأمور أهم، و تمر الأيام و الأشخاص و المناسبات و لازلنا نعتذر بانشغالنا بأمور مهمة ، وقد يضيع منا العمر بأكمله دون أن نعيشه إن استمر انشغالنا ذاك .
ماذا لو علمت أنك مُفارق لهذه الحياة، وأنك لا تملك إلا بضع سويعات، ثم ستتحول بعدها إلى جثة هامدة، يتوقف قلبك، تنخفض درجة حرارة جسدك، يتوقف دماغك، يتوقف كل شيء، حتى أحلامك وآمالك وأحقادك، انتصاراتك وهزائمك، الرحيل مؤلم فكيف برحيل دون عودة!
ماذا ستفعل بكل تلك الملفات المفتوحة!
ملف اقاربك الذين هجرتهم، زملائك الذين خدشت غيابهم بالكثير مما ليس فيهم، والديك اللذان لم تجد وقتًا لطاعتهم وتلبية رغباتهم.
ماذا عن ملفات صلاتك! نسكك! محياك! معاشك!
هل كُنت تظن حقًا أنه بوسعك الوفاء بكل تلك الملفات في قادم الايام!
هل كُنت حقًا تظن أن هناك مُتسع من الوقت!
إن رائحة الموت تتسكع بين أيامنا، و الحياة طويلة، جد طويلة في عيون من يراها كذلك، و هي قصيرة جدا لدرجة أن لا متسع فيها لفعل أي شيء في عيونالكثيرين فالخيارات كثيرة و الطرق كثيرة و الإجابات على سؤال “ماذا لو…!! ” كثيرة أيضا و لكن لابد من أن نجيب عليه أولا .