بقلم : لانا مراد
إِذا وَضَعْنا نُقْطَةً سَوْداءَ فِي وَسَطِ صَفْحَةٍ بَيْضاءَ، فَإِنَّ كُلَّ شَخْصٍ سَيَرَى هٰذِهِ الوَرَقَةَ بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَسَيُحَلِّلُها بِناءً عَلَى تَجارِبِهِ الشَخْصِيَّةِ، فَالاِخْتِلافُ فِي الرُؤَى هُوَ جُزْءٌ طَبِيعِيٌّ مِنْ سُنَّةِ الحَياةِ.
بَعْدَما تَحَدَّثْتُ فِي المَقالِ السابِقِ عَنْ الفِكْرَةِ أَرَدْتُ أَنْ أُكْمِلَ هٰذا المَقالَ بِتَصْوِيرٍ مُبَسَّطٍ لِلعَواطِفِ؛ فَهِيَ العُنْصُرُ الَّذِي يُلْهِمُ السُلُوكَ.
وَيُمْكِنُ وَصْفُ الشُعُورِ: بِأَنَّهُ لَوْحَةٌ فَنِّيَّةٌ تَتَأَلَّفُ مِنْ أَلْوانِ النَفْسِ، وَكُلُّ فَرْدٍ يَرْسُمُها بِأُسْلُوبِهِ الخاصِّ. يَتَغَيَّرُ شُعُورُ الإِنْسانِ كَما تَتَغَيَّرُ الأَجْواءُ، مِمّا يَجْعَلُهُ قابِلاً لِلتَعَدُّدِ وَالتَنَوُّعِ فِي آنٍ واحِدٍ.
عِلْمِيّاً هُوَ الحالَةُ المِزاجِيَّةُ الَّتِي يَشْعُرُ بِها الإِنْسانُ، وَيُمْكِنُ وَصْفُها بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ فَقَطْ، وَلٰكِنْ قَدْ يَشْعُرُ كَثِيرٌ مِنْ الناسِ بِأَكْثَرَ مِنْ إِحْساسٍ فِي الوَقْتِ ذاتِهِ، وَكُلُّ شَخْصٍ لَدَيْهِ مَشاعِرُ مُخْتَلِفَةٌ تُجاهَ المَوْقِفِ نَفْسِهِ. فَهَلْ جَرَّبْتَ أَنْ تَسْأَلَ نَفْسَكَ سُؤالاً عِنْدَ تَعَرُّضِكَ لِمَوْقِفٍ ما، ماذا أَشْعُرُ أَنا الآنَ؟ وَلِماذا؟ وَهُنا نَحْكُمُ العَقْلَ مَعَ العاطِفَةِ، لِكَيْ لا نَقَعَ فِي فَخٍّ أَنَّ عاطِفَتَنا هِيَ مَنْ تَتَحَكَّمُ بِنا، وَنَخْسَرُ الكَثِيرَ مِنْ العَلاقاتِ الجَيِّدَةِ، أَوْ نَدْخِلُ الكَثِيرَ مِنْ العَلاقاتِ السامَّةِ لِحَياتِنا. وَلِتَفْهَمْ العَلاقاتُ مَعَ الآخَرِينَ يَجِبُ أَنْ تَفْهَمَ نَفْسَكَ أَوَّلاً وَتَتَصالَحَ مَعَها.
وَخِتاماً الاِخْتِلافُ فِي الرَأْيِ لا يُفْسِدُ مِنْ الوُدِّ قَضِيَّةً. فكَمْ هُوَ جَمِيلٌ أَنْ نَجِدَ مَنْ يَسْتَطِيعُ فَهْمَنا بِدُونِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْنا، فَالحَقِيقَةُ تَكْمُنُ فِي قُدْرَةِ الآخَرِينَ عَلَى اِسْتِيعابِ مَشاعِرِنا وَأَفْكارِنا. وكَمْ هُوَ جَمِيلٌ أَنْ نَجِدَ فِي عَلاقاتِنا مَنْ نُعَبِّرُ لَهُ عَنْ تَأْثِيرِ تَصَرُّفاتِهِ، لِيَكُونَ لَدَيْنا لُغَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لِلتَعْبِيرِ عَنْ مَشاعِرِنا وَاِحْتِرامِها دُونَ إِطْلاقِ حُكْمٍ مُسْبَقٍ.