بات مفهوم “المكان الثالث” يحظى بانتشار لافت في العاصمة السعودية الرياض على غرار مساحات العمل الإبداعية، وبعض المقاهي التي تمنح فضاءً مشتركاً يحرض على الإبداع، إذ توفر محيطاً اجتماعياً منفصلاً ومساحة عامة للتواصل والتفاعل، إذ تشكّل الأماكن الثالثة “مرتكزات” الحياة المجتمعية وتسهل وتعزز التفاعل الأوسع والأكثر إبداعاً.
تجسيداً لواقع المصطلح فإنه يبرز في الإطار ذاته مبنى “الفناء الأول” الذي تتلاقى فيه عناصر تعريف مفهوم “المكان الثالث”، إذ يعد – الفناء الأول- معلماً تاريخياً في مدينة الرياض ومركزاً ثقافياً بمساحة ملهمة تجمع المفكرين والمبدعين وأصحاب المواهب المختلفة، إذ يسعى أن يكون وجهة ثقافية وإبداعية عبر توفير ورش العمل والمعارض الفنية والمساحات الإبداعية.
ويقصد بمفهوم “المكان الثالث” المحيط الاجتماعي المستقل عن المنزل باعتباره مكاناً أولاًَ، ومكان العمل بصفته ثانياً، فيما يوفر المفهوم فرصة لممارسة الأنشطة والهوايات، والاستغراق في ممارستها بعيداً عن ضجيج المدينة، ومتطلبات العمل.
جذور المصطلح، ابتكرها “راي أولدينبرغ” أستاذ علم الاجتماع الحضري، مُعرّفاً إياه بالمحيط الاجتماعي المستقل عن الأماكن المعتادة في المنزل “المكان الأول”، ومكان العمل “المكان الثاني”، ووصفه بالمقصد الأكثر إثارة لمشاعر الإحساس بالمكان وإدراكه، والأنسب لتطوير الأعمال وتفعيل المشاركة العامة.
ويقع الفناء الأول في الحي الدبلوماسي بالرياض، في مبنى تاريخي قديم يعود إلى البنك “الأول” المعروف سابقاً باسم البنك السعودي الهولندي، أول بنك تجاري يعمل في السعودية حينها، وتحتفظ ذاكرة المكان ذاتها بقصص لافتة كون المكان يتبع للبنك الوحيد في السعودية وقتئذ، إذ احتفظ المبنى ذاته الذي بات اليوم مساحة إلهام باحتياطيات البلاد من الذهب، فيما تلقى عائدات النفط نيابة عن الحكومة.
تتلخص أهداف الفناء الأول بأن يصبح مساحةً للمفكرين المبدعين، عبر تشجيعهم ودعوتهم للمشاركة في نشاطات المركز وتقديم مجموعة واسعة من البرامج الغنية والمتنوعة المناسبة لهم، وتعزيز التعاون بـين الثقافات وتـحفيز الـمجتمعات الـمختلفة على التلاقي وتعزيـز فرص التعاون والـتواصل والحوار بـين الثقافـات، لتـشكيل بيئة مثالية لتوليد الأفكار الإبداعـية الجديـدة.
يدعم الفناء الأول الذي يضم مرافق متنوعة المشهد الفني المحلي في السعودية والارتقاء به عبر تقديم نفسه كمرجع للفن والفنانين المحليين، ودعم رحلتهم الفنية ومساعدتهم على التعبير عن رسالتهم من خلال أعمالهم الإبداعية، إلى جانب غرس حس الاستكشاف والاكتشاف داخل المجتمع الثقافي والفني المحلي عبر استعراض الممارسات الإبداعية والفنية في المجتمعات المختلفة.