بقلم: لانا مراد
#الكاتبة_الصغيره
كُنْتُ ذٰلِكَ المُراقِبَ الصامِتَ، وَكاتِبَ السيناريو الَّذِي يَسْتَتِرُ خَلْفَ الكَوالِيسِ، أَشْهَدُ عَلَى كُلِّ تِلْكَ المَشاهِدِ السينمائِيَّةِ الَّتِي تَتَكَشَّفُ مِنْ حَوْلِي، بَلْ وَكَأَنَّها تَرْوِي لِي مُباشَرَةً. كَمَنْ يُطِلُّ عَلَى الحَياةِ مِنْ خِلالِ فَتْحَةٍ ضَيِّقَةٍ تَخْنُقُنِي، كُنْتُ أُراقِبُ ما يَجْرِي دُونَ أَدْنَى رَغْبَةٍ فِي تَحْرِيكِ نَفْسِي حَتَّى بِمِقْدارِ أُنْمُلَةٍ. كُنْتُ الغَرِيبَ فِي عالَمِي، وَالوَحِيدُ الَّذِي يُعانِي آثارَ الأَقْدارِ، وَالناجِي الوَحِيدُ مِنْ عَذاباتِ هٰذا الكَوْنِ. كُنْتُ أَنا، وَلا أَحَدَ سِوايَ.
فِي لَحْظَةٍ أُخْرَى، وَكَأَنَّنِي اِتَّخَذْتُ قَراراً جَرِيئاً بِالتَخَلِّي عَنْ مَظاهِرِ الحَياةِ الزائِلَةِ، وَشَرَعْتُ فِي اِسْتِكْشافِ أَعْماقِ نَفْسِي بَحْثاً عَنْ ذٰلِكَ النُورِ الَّذِي يَجْلُو عَتَمَتِي بِمُفْرَدِي. لَمْ يَكُنْ فِي نِيَّتِي التَحَرُّكُ أَوْ الصُراخُ أَوْ التَشَتُّتُ أَوْ الضَياعُ، وَلَمْ أَكُنْ أُرِيدُ أَنْ أَقْسُوَ عَلَى نَفْسِي حِينَ كانَ العِلْمُ يَجْمَعُ شَتاتِي. لَمْ أَذْرِفْ الدُمُوعَ عِنْدَما خَذَلْتُ، وَلَمْ أَشْتَكِ عِنْدَما نَزَفْتُ مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ، وَلَمْ أُعاتِبْ أَوْ أَصْرُخْ أَوْ أَرْفَعُ صَوْتِي مِنْ فَرْطِ ما أَحاطَ بِي. كُلُّ ما فَعَلْتُهُ فِي تِلْكَ اللَحْظاتِ أَنَّنِي غَلَفْتُ مَشاعِرِي وَكَلِماتِي وَصْمَتِي بِعَباءَةِ السُكُونِ، وَرَحَلْتُ مُعْلِنَةً لِلعالَمِ أَنَّ البَقاءَ لَيْسَ لِلأَقْوَى، بَلْ لِمَنْ يَمْلِكُ الحَنانَ وَالقُدْرَةَ عَلَى الصُمُودِ. رَحَلْتُ بِهُدُوءٍ يَكادُ يَفْتِكُ بِي، وَلٰكِنَّهُ والحَمْدُ للهْ لَمْ يَفْعَلْ.
كُنْتُ أُراقِبُ ما جَرَى لِي بِعَيْنَيْنِ مَلِيئَتَيْنِ بِالتَأْنِيبِ، وَأَخْبَرْتُها بِأَنَّهُ لا داعِيَ لِلقَلَقِ، حَتَّى وَإِنْ تَلاشَى العالَمُ بِأَسْرِهِ، سَأَبْقَى هُنا إِلَى جانِبِكِ. لَنْ أَخْذُلَكِ أَبَداً، فَأَنا أُحِبُّكِ، كُنْتُ أُكَرِّرُ هٰذِهِ الكَلِماتِ لِنَفْسِي كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى تَهْدَأَ رُوحُكِ وَتَسْتَسْلِمَ لِلنَوْمِ. ثُمَّ دَخَلْتُ فِي عُزْلَتِي بِرَغْبَةٍ مِنِّي، وَأَقْسَمْتُ أَنْ لا يَمَسَّ أَحَدٌ قَلْبِي بِسُوءٍ، وَلَنْ يَحْدُثَ ذٰلِكَ. حاوَلْتُ أَنْ أَسِيرَ نَحْوَ وِجْهَةٍ مَجْهُولَةٍ، وَاِعْتَقَدْتُ حِينَها أَنَّ الأَمْواجَ تَتَلاطَمُ ضِدِّي وَالتَيّارَ يَجْرِفُنِي، وَأَنَّهُ لا مَفَرَّ مِنْ الفَشَلِ. كُنْتُ أَتَصارَعُ مَعَ نَفْسِي، حَتَّى اِسْتَنارَتْ رُوحِي بِلَحْظَةٍ مِنْ اليَقِينِ، حَيْثُ أَعْطانِي الرَحْمٰنُ الدَلِيلَ، وَأَمْسَكَ بِيَدِي نَحْوَ الطَرِيقِ. وَفَجْأَةً، أَصْبَحَ الطَرِيقُ طَرِيقاً لِي، وَالدِيارُ دِياراً لِي، وَلَمْ يَعُدْ هُناكَ ما يُخِيفُنِي طالَما أَنَّ اللّٰهَ خالِقِي، بِلُطْفِهِ، يَرْعانِي. فَالحَمْدُ للّهِ عَلَى لُطْفِهِ الخَفِيِّ الَّذِي يُحِيطُ بِي، دُونَ أَنْ أُدْرِكَ.
الحَياةُ رِحْلَةٌ مَلِيئَةٌ بِالأَلَمِ، فَاِخْتَرْ أَيَّ أَلَمٍ يَسْتَحِقُّ، فَلا أَحَدَ سَيَحْمِلُ الحُزْنَ بَدَلاً عَنْكَ فَتَفاءَلَ، وَواجَهَ الحَياةَ بِجُرْأَةٍ.