فِي يَوْمِ الثُلاثاءِ، الثانِي وَالعِشْرُونَ مِنْ أكتوبر لِعامِ أَلْفَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، عِنْدَما تُشْرِقُ الشَمْسُ لِتَبُثَّ أَشِعَّتَها الذَهَبِيَّةَ، مُثِيرَةً فَجْراً جَدِيداً يَمْتَلِئُ بِالأَحْلامِ وَالتَطَلُّعاتِ، وَتَأْخُذُ بِيَدِي نَحْوَ آفاقٍ لا مُتَناهِيَةَ، أَجِدُ نَفْسِي مُتَحَمِّساً لِمُشارَكَةِ صَحِيفَةِ عَيْنِ الوَطَنِ فَرْحَتِي العارِمَةِ، فَهِيَ الخُطْوَةُ الأُولَى نَحْوَ سَلالِمِ النَجاحِ وَالداعِمِ الأَبْرَزِ لِنَشْرِ كَلِماتِي. كَما أَوَدُّ أَنْ أَخُصَّ بِالشُكْرِ جَيْشِي الَّذِي لا يُبارِحُنِي، عائِلَتِي العَزِيزَةَ، الداعِمَةُ الأُولَى لِي فِي مَسِيرَتِي.
أَرْغَبُ فِي التَعْبِيرِ عَن اِمْتِنانِي الكَبِيرِ لِرُؤَساءِ كُلِّيَّةِ جامِعَةِ عَيْنِ شَمْسٍ فِي القاهِرَةِ، وَلِجَمِيعِ مَنْ ساهَمَ فِي تَنْظِيمِ هٰذِهِ المُسابَقَةِ، الَّتِي تَسْعَى إِلَى بِناءِ جِيلٍ يَسْتَحِقُّ الفَخْرَ وَالاِحْتِفاءَ، وَيَكُونُ رَمْزاً لِلمُسْتَقْبَلِ المُشْرِقِ.
فِي هٰذِهِ اللَحْظَةِ، تَجَلَّى إِبْداعُ الفَرِيقِ الَّذِي اُسْتَلْهَمَ مِنْ كَلِماتِي وَصُوَرِ صَدِيقَتِي، لِنَشْرَعْ فِي مَسارٍ جَدِيدٍ لِلمُشارَكَةِ فِي مُسابَقَةِ تَصْوِيرِ الأَفْلامِ القَصِيرَةِ بِجامِعَةِ عَيْنِ شَمْسٍ، وَالَّتِي تُعْنَى بِقَضايا البِيئَةِ.
لِذا، إِلَيْكُمْ كَلِماتِي فِي المُسابَقَةِ:
لَيْتَ الأَرْضَ الَّتِي نَعِيشُ فَوْقَها نَحْتَضِنُها بِكُلِّ وُدٍّ، وَلَيْتَنا نَكُونُ مُخْلِصِينَ لَها كَما هِيَ مُخْلِصَةٌ لَنا. اِسْمَحُوا لِي أَنْ أُقَدِّمَ نَفْسِي، فَأَنا غُصْنٌ مِنْ شَجَرَةِ الحَياةِ، وَإِلَيْكُمْ قِصَّتِي الَّتِي لَمْ تَكُنْ يَوْماً مُجَرَّدَ خَيالٍ.
بَدَأَتْ رِحْلَتِي حِينَ اِتَّخَذْتُ القَرارَ الجَرِيءَ لِلسَيْرِ نَحْوَ حُلْمِي بِأَنْ أُصْبِحَ طَبِيبَةً، فَتَرَكْتُ أَهْلِي وَوَطَنِي، وَاِنْطَلَقْتُ بَعِيداً لِأُغَيِّرَ مَصِيرِي.
فِي المشهد الأَوَّلِ:
كُنْتُ جالِسَةً فِي مَسْجِدِ المَطارِ، حِينَ دَوَّى أَذانُ المَآذِنِ بِصَوْتٍ يَمْلَأُ الأُفُقَ “اللّٰهُ أَكْبَرُ”، وَتَجَمَّعْنا لِلصَلاةِ. عَقِبَ اِنْتِهائِي مِنْ الصَلاةِ، لَمْ أَسْتَطِعْ إِلّا أَنْ أَرْفَعَ يَدَيَّ بِالشُكْرِ لِلهِ عَلَى رَحْمَتِهِ الخَفِيَّةِ الَّتِي رافَقَتْنِي فِي هٰذِهِ السَنَةِ الصَعْبَةِ، حَيْثُ كانَ اليَأْسُ يُحاصِرُنِي مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وَلٰكِنَّ قَلْبِي كانَ دائِماً يُرَدِّدُ “اللّٰهُ أَكْبَرُ”.
فِي المَشْهَدِ الثانِي:
ها أَنا جالِسٌ عَلَى مَقْعَدِ اِنْتِظارِيٍّ، أُراقِبُ الطائِراتِ وَهِيَ تَعْبُرُ السَماءَ، وَأَتَأَمَّلُ الوُجُوهَ المُنْتَظَرَةَ بِجِوارِي، لِكُلٍّ مِنْها حِكايَتُهُ الخاصَّةُ وَرِوايَتُهُ المُمَيَّزَةُ. اِجْتَمَعْنا فِي هٰذا المَكانِ، لٰكِنَّ أَفْكارَنا ظَلَّتْ مُتَبايِنَةً كَنُجُومٍ تَتَأَلَّقُ فِي لَيْلِ حالِكَ.
وَبَيْنَما أَنا أَتَأَمَّلُ تَقَعُ عَيْنَيَّ عَلَى نَبْتَةٍ خَضْراءَ، لَمْ أَسْتَطِعْ فِي ذٰلِكَ الحِينِ أَنْ أَسْتَبِينَ إِنْ كانَتْ تَعْكِسُ صُورَتِي أَمْ أَنَّها تَحْمِلُ مَعانِيَ أَعْمَقَ.
لٰكِنَّنِي هَمَسْتُ لَها بِصَوْتٍ مَلِيءٍ بِالحُبِّ:
أَنْتِ مُعْجِزَةٌ مِنْ اللّٰهِ لِأَرْضِنا، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ شَكْلٍ عابِرٍ، بَلْ فِيكِ رُوحٌ وَحَياةٌ نابِضَةٌ. أَنْتِ كَالعَمُودِ الفِقْرِيِّ الَّذِي يَدْعَمُ الإِنْسانَ، أَوْ كَالعَظْمِ الَّذِي يُحافِظُ عَلَى بِنْيَةِ الجِسْمِ. أَنْتِ تُحافِظِينَ عَلَى هَيْكَلِ هٰذِهِ الأَرْضِ، وَتَمْنَحِينَها الحَياةُ كَأَنَّكِ رِئَتاها، تَمْدِّينَها بِاِرْئَتاهانِ وَتَتَخَلَّصِينَ مِنْ ثانِي أُكْسِيدِ الكربونِ. أَعْتَقِدُ أَنَّكِ، يا عَزِيزَتِي، أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ مُجَرَّدِ أَوْراقٍ خَضْراءَ، وَأَظُنُّ أَنَّكِ أَيْضاً تَخُوضِينَ مَعْرَكَةً كَمَعارِكِي، فِي عالَمٍ يَعُجُّ بِالتَلَوُّثِ وَالغُبارِ.
المشهد الثالث:
غصن وهي تتأمل كيف ياترى هي شكل الحياه بدون أشجار؟
بعض الصور للحياه بدون اشجار
عِنْدَما نَتَحَدَّثُ عَنْ التَوَسُّعِ العُمْرانِيِّ وَالحَضارَةِ، نُلاحِظُ أَنَّ هُناكَ العَدِيدَ مِنْ الأَشْجارِ القَدِيمَةِ الَّتِي قُطِعَتْ، وَبَعْضُها عُمْرُهُ أَكْثَرُ مِنْ 100 عامٍ. كَما دَمَّرَتْ حَدائِقُ وَمِساحاتٌ خَضْراءُ كَبِيرَةٌ، مِمّا أَدَّى إِلَى اِخْتِفاءِ اللَوْنِ الأَخْضَرِ بِسُرْعَةٍ. وَبَدَلاً مِنْ ذٰلِكَ، ظَهَرَتْ مَناطِقُ مَلِيئَةٌ بِالأَسْمَنْتِ وَالطُرُقِ وَالجُسُورِ، مُتَجاهِلِينَ أَهَمِّيَّةَ النَباتاتِ الَّتِي تُساعِدُ عَلَى عَمَلِيَّةِ إِنْتاجِ الأُكْسِجِينِ وَإِزالَةِ ثانِي الكربونِ.
وَقِلَّةُ الأَشْجارِ تَعْنِي اِحْتِباساً حَرارِيّاً وَتَغَيُّراتٍ مُناخِيَّةً وَغَيْرَها مِنْ المَشاكِلِ، وَيُعْتَبَرُ هٰذانِ الأَمْرانِ مِنْ أَكْبَرِ التَحَدِّياتِ الَّتِي نُواجِهُها فِي هٰذا العَصْرِ. التَلَوُّثُ يَمْلَأُ سَماءَنا الزَرْقاءَ الصافِيَةَ، وَالسُحْبَ البَيْضاءَ تَتَحَوَّلُ إِلَى سُحْبٍ سَوْداءَ مِنْ دُخانِ المَصانِعِ، وَنَتِيجَةً لِذٰلِكَ يَحْدُثُ المَطَرُ الحَمْضِيُّ الَّذِي يَتَسَبَّبُ أَيْضاً فِي مَزِيدٍ مِنْ التَدْمِيرِ لِلبِيئَةِ.
المشهد الرابع و الأخير:
يَقْطَعُ تَفَكُّرِي صَوْتَ نِداءِ الطائِرَةِ مُؤَذِّناً بِالإِقْلاعِ. حَسَناً، عَزِيزَتِي، يا شَجَرَةَ الجَمالِ، يَبْدُو أَنَّنِي أَبْلَغْتُ نِهايَةَ رِحْلَتِي هُنا بِرِفْقَتِكِ، لٰكِنَّنِي أَعِدُكِ بِأَنَّنِي سَأَكُونُ غُصْناً يَمْتَدُّ لِيَحْمِلَ صَوْتَكِ إِلَى آذانِ الجَمِيعِ، لِأُخْبِرَهُمْ أَنَّ شَجَرَتِي هِيَ كَنْزِي الثَمِينُ، وَهِيَ تُناضِلُ مِنْ أَجْلِنا، كَما أَنَّنِي أُكافِحُ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ حُلْمِي. سَيَكُونُ شِعارُنا “اِزْرَعْ وَلا تُقْطَعْ”، أَوْ لِنَنْطَلِقْ مَعاً نَحْوَ بِيئَةٍ أَكْثَرَ صِحَّةً وَسَلامَةً. إِنَّ النَجاحَ يَنْبُعُ مِنْ فِكْرَةٍ، كَما أَنَّ الزِراعَةَ تَبْدَأُ مِنْ بِذْرَةٍ. فَمَعاً، لِنَبْنِ بِيئَةٍ صِحِّيَّةٍ تُشْرِقُ فِيها آمالُنا.