قلم أ. أسحار بنت يوسف
مستشارة نفسية في الوعي النفسي
مستشارة في الجودة
لبس شخصٍ عباءةً ما لا تجعلهُ متخصصا فيها ، كما لا يجوز للمستشار النفسي الإفتاء في الدين دون علمٍ شرعي مثبتٍ بشهادة جامعةٍ او مركزٍ مختص ، و يُسمح التدبر للجميع للتمكين التربوي و الارشادي النفسي و الاسري و لتحسين جودة الحياة عموما ، أرى ان نتنبه حين يقرر طبيبٌ شهير القفز في كل المواضيع الدينية ، لانه حاصلٌ على شهادةٍ في القراءات ! و طبيبةُ بشرةٍ تتحدثُ عن أساليب تربية الطفل من خلال تربيتها لأطفالها بقسوة و شدةٍ و جهل ، كي تخرج رجالاً للأمة رجالاً مكسوري القلوب فالطموحات ! ان لم يكن كلامهم عن دراية و دراسة و تخصص !
نعم اخترتُ اليوم أن أُعلّقَ الجرس و الثقيل جدا و الذي يتجنبُ الجميع تعليقه عموماً ، و للأمانة تجنبت لفترة طويلةٍ تعليقه علّ أحداً يقوم بذلك ثم تذكرت أن فرض الكفاية في العلم الشرعي يبيت فرض عين إن لم يقم به أحد !
قد يقول البعض من حقهم المشاركة ، تلك مكانها المجالس و الزيارات ، مع فنجان قهوة ، و ليس منصةٍ تسوغ لمتحدثٍ ( مهتم بالشؤونِ النفسية ) ان يغيّر مسار اجيالٍ بأكملها .
أن ينتشرَ اسلوب تربيته مع ابنائه لانه راق للغالبية و إن كان ما يقدمه جيداً بالقياس لا يعني انه يخدمُ سوية الطفل النفسية ! فيمنحنا أطفالاً يصبحون صانعي مصير مجتمعاتهم في غمضة عين و حسب الوعي الجمعي هم أطفال لكن مؤقتاً . كان يجب أن أعلق الجرس حين باتت التربية و علم النفس و تربية النشئ و سلامة الأسرة العربية هي السهل المُمتطى ، احببت ان أُذكِّر أنها السهل الممتنع المنيع و لتبقى كذلك فيجب ان نرى بأمّ أعيننا درجات و شهادات من يتحدث في المجال التربوي و النفسي و الاستشاري و لا يكفي أُلفة الوجه و الاسلوب الجميل ان كان المحتوى بلا اصل و لا تمكُنٍ و لا شهادةٍ علمية و لا جذور . لن أتحدث عن كمِّ الاستثمار الذي يقدمه المرء بزيادة علمه في مجاله و يبدأ بنفع الناس ثم يرى ( مؤثرين ) أو ( باحثين و مهتمين ) يناقضون أساسيات علم النفس بآرائهم الشخصية التي اصبحت و للأسف مقولاتٍ تتناقل ، و هل كل ما ينتشر نافع ؟ بالطبع لا ! فالنار تنتشرُ في القش ، الاّ ان كان مبتلا ً و الوعي هنا هو الماء العازل .
العلم الشرعي ليس علمَ اجتماع و ان كان كلاهما يدعمان بعضهما بعضا في عدة مواضع ، هي علومٌ منفصلة تماما ، كالرياضيات و الفيزياء ليسوا واحدا لكنهم يساندون بعضهم بعضا . القرآن الكريم و السنةُ المطهّرة في ديننا العظيم المنجي للأمم حثّا على السعي لقطف كل العلوم النافعة للبشرية ، لكن شهادة العلم الشرعي ليست شهادةً مفتوحةً بلا حسيبٍ و لا رقيب لكلّ العلوم بل يلزمك شهادةٌ و توثيق لا يقلُّ بتاتا عن اهمية شهادة العلم الشرعي في أمور الشريعة لتتحدث في غيرها باسهاب . نعم آخذُ من المعرفة و العلم ما يتوائم مع ديننا و حضارتنا ولست هنا أسوّقُ للاخذ من اصحاب الشهادات دون وعي ، فالأمر ليس بالشهادات الورقية لكن على الأقل إن أخطأ صاحب الشهادةِ فعليه وزره و عليك وعيك !!!
هل كل من تخصص في علمٍ طبقه؟ هذه مصيبةٌ و همٌ آخر تحتاجُ مجلداتٍ لا مقالاً واحداً فيقول الافغاني وهو من علماء الاجتماع اللافتين في رأيي بعد ابن خلدون الاب الروحي لهذا العلم : ( اقرب موارد العدل القياس على النفس ) فهل من يتحدث يطبق ؟ هذه مهمة الملكين رقيبٌ و عتيدٌ و ليست مهمتنا !
المقلق أعزائي القرّاء الكرام هو أن باتت كلمات “مؤثر ” و ” باحث ” و “مهتم ” بمجالٍ ما ناقوس خطرٍ يدقُّ ، باتت رخصةً “غير شرعية ” لقطف المستمعين رغماً عن وعيهم ، بأسهل طرق ايصال المعلومة و هي الكلام و كلنا ندرك أن الكلام مهارة الغالبية و لا اقول البيان و ما كلُّ الكلام بيان !
بتنا في زمنٍ يكفيك منصةٌ و قلمٌ وابتسامة لتمرر للوعي الجمعي للمئة عامٍ القادمة ما شئت !و هنا ما مطلق عليه في مجال الوعي ( البرمجة) ! فنعوذ بالله و نعيذ الأجيالَ كلها من التبرمجِ على الفوضى و التفاهةِ الفكرية ! !
إن كان الرسول الأكرم محمد بن عبدالله نبي الامة الذي لا ينطق عن الهوى يعلمنا احترام الاختصاص فقال بتواضعٍ جم ، بعد قصة تلقيح النخل الشهيرة و خسارة المحصول بعد عام بعدما امرهم بعدم تلقيح النخيل ،
قال حبيبنا و أسوتنا عليه الصلاة و السلام من قاد أُمةً بأكملها !
( إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ، فإني إنما ظننت ظنا لا تؤاخذوني بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به ؛ فإنني لن أكذب على الله )
هنا بالضبط احترام الاختصاص و التخصص أو ضاع النشئ و ضاعت الأمم ! فلماذا ان كان الحديث عن النفس التي اقسم الله بها من عظمتها صارَ و للأسف هوَ العلمَ السهلَ المُشاع ؟! ( بوب سيكولوجي و المسمى علم نفس متناقل ) مع أنَّهُ علمٌ له مصادره و مواردهُ العظيمة في كل اللغات والأمم و الحضارات ! حصولك على شهادةً في العلم الشرعي او تخصصك في تعليم كتاب الله الاكرم لا يجعلك مختصاً في أي مجال آخر بل ليالٍ من مذاكرة العلم و الامتحانات و اخذه عن مختصين في مجالهم بشهاداتٍ موثقةٍ ، فتوجّه إلى أي علمٍ شِئت ، فمن شاء الزيادة عليه بالعلم و كُن متعدد المجالات و المهارات و الاختصاصات كسابق العصور الاسلامية العربية لم لا ! لكن بشهادات تحمي وعيَ المستمع و تحمي لك ماء وجهك !
اسلوبك اللبق او عدد المشاهدات و اللايكات و مشاركة الأمة بأكملها ماذا تناولت على الفطور يجعلك اجتماعيا ودودا لربما لكنها لا تجعلك بحالٍ من الأحوال متمكناً فيما تتحدث عنه ، نعم تجعل الغالبية يعتادونك
و فرقٌ شاسعٌ بين القبول و الادمان في عصر عفن الدماغ !
هل الشهاداتُ مقياس النفع و جودة المحتوى ؟ ! لا لكنها رخصةٌ مبدأيةٌ تجعلني استمع لك في مجالٍ محددٍ ، بعد وجود شهاداتٍ علمية ننتقلُ للمرحلةِ الثانية مقياس النجاح و النفع لمن فتح الله عليه بالاسلوب و العمق و هنا القياس يكتمل بالنفع و الفائدة بعيدا عن الجمود او التفاهة ! ثم المرحلةُ الثالثة و هي منوطةٌ بالرزق من الله وحده و لا يُسألُ و هم يُسألون ، أمّا أن نقفز لمرحلة القبول و زيادة الدخل حارقين مراحل قبلها جُلَّ هامَّةٍ بغضِّ النظر هل أنت تنفع الناس او تضرُّهم بكلامك المرسل ! هنا تقف ( لا ) بشموخ و لو كانت تقفُ وحدها . كل طبيب و جرّاحٍ يداوينا بعلمه يلزمه شهادةٌ لا قبول ! يلزمهُ علمٌ موثّقُ الشهادة ، لا أن يكون “مهتماً و باحثاً و مؤثراً ” فنصخي السمع له ! فلماذا اذا كان الأمر في علم النفس و التربية و الفكر تراجعت للخلف مؤشرات القياس KPI التي هي الف اباء الجودة في تخصصي و اراها تبكي أمام عدم جدواها او الحاجة لها ما دام الأمر نفسياً لا جسديا ! و هل وصلت الأمة لما وصلت اليه الاّ من التسلل للجسد عن طريق الوعي النفسي البوابةُ العُظمى لأخلاق و حضارةِ الأُمم . بنفس درجة الضيق ارفضُ الابتذال بنوعيه فكما ابتذال الأخلاق مرفوضٌ جملةً و تفصيلاً ، كذلك ابتذال العقول لا يقلُّ خطورةً و هو أن يكون المتحدث “ببحثه واهتماماته أو بتأثيره ” قد نال و للأسف من وعي المستمع ما نال متكئاً على عصا علمه الشرعي تارة أو آخر على النقيض منه يستخدم تفاهته و تهريجه مسوغاً لنصحِ الامهات و المربين . ان كان في التخصص خدمةٌ فالنجار البارع اراه في كرسيٍ بديع و الخباز الماهر خبزهُ مطلب الحي كلّه و بائع العطور الشهير
كلنا نشتري من عطوره ، فالمنتجٌ ملموسٌ و المنتج المتقَن رخصةٌ لصاحبه فالامر اذواقٌ في بعد تحقق السلامة طبعا ً و لكن حين يكون التخصص خدمياً لا منتجاً فلا اذهب لاصلاح اسناني عند مهتمٍ و باحث في الشؤون الضرسية !!! بل شخصٍ درس علم طب الاسنان حتى ذهبت نصف أسنانه بقياس الزمن !
حين يحتاج الانسان مشورةً مالية ينبغي أن يذهب لمستشارٍ ماليٍ ثقة و لا يذهبُ لمؤثرٍ يصرفُ في اليوم ٥ اضعاف ما يجمعُ هو ذاته في شهر ! ! فينتهي الأمر بطالب المشورة المالية الى شراء نصف عطور المؤثر عبر منصاتٍ بالتقسيط ! كلمة مؤثر باتت اهون ضرراً لو حللناها نحوياً و لغوياً فأدركنا انواع التأثير و الادراك و الوعي منقذٌ عظيم ، فنعم هو مؤثر لكن ما نوع التأثير فالهواء البارد مؤثر و نال مني ما نال مني فلزمت الفراش أسبوعاً .
الطامة الكُبرى الآن مختلفة في ( باحثٍ و مهتمٍ ) وحدهما دون توثيقٍ لعلمه او ذكرٍ لمصدره .الانسان باحثٌ متواصلٌ عما لم يصل له بعد و قد لا يصل و المهتمُّ هو من يخصص من وقته لأمر يراهُ مهماً و هذا لا يعني بأي شكلٍ حصول النفع او الوصل للاتقان ليس الأمر كم أنت مهتمٌ ، هل أنت مهتمٌ بالصورة الصحيحة من المصادر السليمة. احم وعيك في عصرٍ بات الصوت و الصورة و المنصات دروعاً لصاحبها ظاناً أننا لن نسأله ( كيف لك هذا ؟ ) فعلم النفس ليس علمَ من لا علمَ له ! ما هو شعورنا حينما يكتب التاريخ يوما ما أننا كنا نسمع ( لمؤثرين) و ( مهتمين ) و ( باحثين ) بل و نكرمهم و نبرزهم ؟ عدا عمّا نوع الجيل الذي نصنع الآن للمستقبل ؟ جيلٌ بات يريد أن يصبح ( مؤثراً مهتماً ) لجني الثروة و حسب عن طريق استحسان الرائي ، فيتلاشى الطموح عبر الشاشات (تكةً تكة ) رويدا رويداً و كم يعجب لهو حديثه من تركوا اشغالهم و حيواتهم و مصائرهم لمتابعته و لإلقاء دراهم في فمه ان اعجبهم ما يقول ، أين المعرفة النافعه المنتقلة عبر الأجيال ، أين الفائدة العميقة و المنظمومة القيمية دات البنية التحتية فكرياً في ذلك ؟ ً
كيف نقنع الجيل الآن مع كل هذا الزبد بأهمية المعلّم و المزارع و الطبيب و الخبير و الصانع و رائد الأعمال و أنهم ليسوا مدمني تعب أو باحثين عن المتاعب بل هم بُناة للمجتمع
و هي سنة الحياةُ السويّة تبدأها تتعلم ثم تجني ثم تترك ما جنيت للأجيال القادمة كلّْ حسب ما خُلق لهُ و ما قُدِّرَ له فالبعض يصل أسرع من الآخر !
عبارة الفتوى لأهل الفتوى اصطلاحا تعني الافتاء في أمر الدين لعلماء الدين و حسب و هذا لا جدال فيه ، و لكن ماذا عن الفتوى لغةً حيث وُلدت الكلمة و الصياغةُ الاصلية و الوعي اللغوي مفتاح حضارة أي أُمَّة ، أهلُ الفتوى هم أهلُ العلم المسمى تحديداً ، فطبيبة الجلدية هي المفتي في حالة الجلد و المستشار الاداري هو اهل الفتوى في تحسين جودة المنشآت و ادارتها و هكذا .. ( الفتوى لأهل الفتوى ) لا للباحثين و المهتمين و المؤثرين ، هل شعرت أنك تسمع هذه المقولة الآن بوعيك ! من الصعب أن تمنعهم من ” البحث و الاهتمام و التأثير ” و الافتاء علئ غير هدىً و علم لأنهم أحرار فيما يُخرِجونَ من أفواههم و أنت حرٌ فيما تسمح له أن يدخلَ وعيكَ ! كيف ؟ الأمر منوطٌ بيدك ؛ ركّب فلاتر الوعي إذا القوا السلام و قبل الكلام !!
و لكل الباحثين و المؤثرين و المهتمين كلُّ الاحترام فأنتم أبنائي و بناتي و المستقبل لكم و بكم ، أما آنَ للكارزما أن تتزيَّن باكليل العلم النافع من مصادره و للتأثير أن يكون غير ماسًٍ بخصوصيتكم و وقاركم ، أنتم قدوة فسنُّوا سُنَّة حسنةً تليقُ بكم و بأوطانكم .