بقلم : ريم المطيري
كُنت ومجموعة من الصديقات نتجاذب أطراف الحديث حول النساء طبعًا، وتنبهت لكلمة طالما استخدمناها لوصف النساء الطيبات بقولنا (فلانة ضعية) بالطبع هُنا كان المقصود هو الطيبة، ولكن في حين كُن صديقاتي يعتبرن هذه الصفة من باب المديح، إلا أنني أراها في حقيقة الأمر مذمة.
الأسرة هي نواة المجتمع، ونواة الأسرة هي المرأة ، فكيف لنواة ضعيفة أن تكون مصنعًا للرجال!
وحتى لا أدخل في لبس في مفهوم القوة هُنا فيجب أن اوضحه، القوة التي أقصدها هُنا ليس بفرض السيطرة، أو رفع الصوت، أو تنفيذ الافكار (الخاطئة) رغمًا عن الآخرين! وكيفما كانت النتائج!
القوة الحقيقية لا تحتاج للصوت العالي لتُسمع، ولا لتُقصي دور الآخرين لتثبت نفسها، قوة المرأة هي قدرتها على الاستيعاب، على الصبر، على اتخاذ القرارات الرزينة دون هدم او فرض ، القوة هي القدرة على التمسك بزمام الأمور وموازنتها بين الدلال والتربية، بين الخير والشر، بين الطيبة والقسوة، القوة هي قيادة الأسرة نحو القمة مهما كانت التحديات.
هند بنت عُتبة والدة معاوية بن أبي سفيان (خليفة المؤمنين) عندما كان صغيرًا كان يلعب مع الصبية فسقط فقالت :قم لا أقامك الله..!
سمعها أعرابي فقال: لاتقولي هذا فإني والله ارى فيه انه سيسود قومه.
قالت: قم لا أقامك الله ان كُنت سيدًا على قومك وحسب!
انظر لعزمها وقوتها وطموحها الذي زرعته في قلب إبنها ! بطريقتها التي ارتأت أنها تناسبه!!
الإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول عن والدته: كُنت مولعًا منذ صغري بالغناء والمغنين فقالت لي أمي (ارأيت لو أنه كان قبيح الوجه هل سيستمع احد الى غناءه!!
فقلت لها: لا
قالت (اذن دع الغناء واطلب الفقه)
يقول فتبعت الفقهاء والعلماء وماعدت للمغنين بعدها، وفيما يرويه عنها ايضًا أنه يقول : كانت تُلبسني ثيابًا مشمرة وتضع على رأسي قلنسوة (وهذا لباس العلماء آنذاك ) ثم تعطيني الكتاب وتقول الآن اذهب وأكتب كما يكتب العلماء
فأنظر لتلك الأم كيف بعيارة واحدة وتصرف واحد غيرت قدر ابنها وجعلت منه بعد توفيق الله عالمًا يُغير وجه التاريخ !!
فاطمة بنت اسد والدة الإمام الشافعي، حملته على كتفها من غزة الى مكة حتى يتتلمذ على يد العلماء هُناك، يقول فيما يرويه عنها رحمهما الله، انني كلما خجلت الدخول على أحد العلماء لمهابته وعلو قدره كانت تقول ( ارتفاع الطيور يكون على قدر وقوعها)
الإمام الذي فاق اقرانه ومعلميه والذي لازالت كُتبه تُدرس إلى يومنا هذا كان لشدة عوزه وحاجته يكتب على الاوراق التي مزقها اقرانه، يقول رحمه الله انني كتبت حتى على الحجارة والعظام…!
لم تكن تستطع والدته توفير احتياجاته، لكنها استطاعت ان تُلبي الاحتياج الأهم، وهو الدفع بإبنها نحو القمة ليكون منارة للعلم إلى ان يشاء الله.
تُرى هُل سيكون هؤلاء الرجال عظماء لو أن أمهاتهم كُن (ضعيفات)!
هل لأم (ضعيفة) أن تتخذ قرار انتقالها وابنها حافية القدمين من بلد إلى آخر من أجل تعليمه!
هل لأم (ضعيفة) أن تدفع بطموح ابنها ليكون خليفةً للمؤمنين؟
هل لأم (ضعيفة) أن توجه شغف ابنها من الغناء للفقه ليكون العلامة الفارقة في هذا العِلم!!
انها الأم القوية! هي فقط من يصنع الرجال