بقلم : أمل يونس
منذ وقت ليس ببعيد أرقني التفكر والتدبر في ملكوت الله -سبحانه وتعالى- فأبحرت بفكري في عظمة الخالق وعظمة ما خلق!! وقفت متأملة في ملكوته مستمتعةٌ بالجمال الساحر !! فرؤية الأفق الأَلِق عيشني بديع صنع الله-عز وجل- حتى خطف بصري بريقٌ أخاذ تألق نورًا في عتمة الدجى !!
توقفت لبرهة علني أعرف ماهيته ؟! ثم ترائى لي مصدره هو من كوكبنا الفريد (الأرض) هو يلمع ويزداد رونقه مع خيوط شعاع الشمس الميمونة!!
نعم، لقد عرفته إنه معدن الذهب النفيس!!
لطالما نُسجت لأجله الأساطير بسبب روعته اللا متناهية، وجاذبيته المتلألئة، فسحره داعب خيال كل من رآه وأجج مشاعر الرجال والنساء عبر الأزمان، وظلّ آسرًا لعقول الشعراء ومؤلفي القصص والروايات، ومثارًا لإلهام مخيّلة الفنانين
لقرون عديدة متجاوزًا كل حدود الزمان والمكان.
قد نتسائل لماذا يحظى معدن كالذهب بالمحبة و الفرادة الأبدية؟!
لنجد أن القيمة الجوهرية له هي أحد أسراره التي تفرد بها عن غيره من المعادن، كما أنه تميز بمواصفاتٍ رائعةٍ بوأته للمكانة الفضلى في صياغة المجوهرات بكل أنواعها، بيد أنه العنصر الهام والقاعدة المالية المؤثرة في العالم أجمع، فقيمة إجمالي الخزينة وقوة اقتصاد أي دولة يقاس بمدى ما تملكه من احتياطي مخزونها من الذهب، والمثير للاهتمام أنه معدنٌ نبيلٌ لا يمكن فساده حتى بأقوى أنواع الأحماض !! ناهيك عن أفضلية استخدامه في الصناعات الخاصة مثل: السفر إلى الفضاء وصناعة الساعات وطب الأسنان والإلكترونيات وأمور أخرى عديدة.
ومن شدة هوس شريحة من الناس بالذهب تعهدوا ونذروا أنفسهم بأن يكتشفوا طرق جديدة لإنتاجه من عناصر كيمائية ومكونات أخرى !! وقد ابتكر الكيميائيون علاج الذهب السائل منذ ما يقرب من 5000 عام، وذلك بهدف القضاء على الأمراض التي تصيب جسم الإنسان، أيضًا للتمتع بعمر أصغر وبلياقة أفضل، وهذا ما اعتقده الكثير من البشر قديمًا في أن الذهب هو السر وراء تألق بشرتهم وتمتعها بالشباب الدائم.
واللافت في عصرنا الحالي أن خبراء التجميل المحترفين يوصون اليوم بفوائد المجوهرات الذهبية ويشيرون إلى قدرتها المذهلة في استعادة جمال الوجه وتقليل الخطوط الدقيقة.
فالذهب يظلّ رمزًا للأناقة والجمال والثراء والاستثمار الآمن إلى الأبد خصوصًا عند النساء!! ويعزى حب النساء له لما تضيفه المجوهرات الذهبية من لمسة فاخرة وجذابة على إطلالتهن، إضافة لفوائده الروحانية العميقة، ويُعتقد أن ارتداء المجوهرات الذهبية هو ما يجذب الطاقة الإيجابية ويبعد الطاقة السلبية، فتخلق أجواء من السعادة والتوازن النفسي والروحي، مما يسهم في تحسين التركيز والوضوح الذهني وبالتالي يُعزز القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، وتقليل مستويات التوتر والقلق ومن ثم شعور أكبر بالسلام الداخلي والراحة، كما يُساعد في التعبير عن الأنوثة والقوة الداخلية، وزيادة الثقة بالنفس جراء ما يصدره من اشعاعات تزيد من هرمون الأنوثة بالجسم؛ ولعل هذا أحد أسباب تحريم لبسه على الرجال في الدين الإسلامي .
والجميل وجود عادة توريث قطع المجوهرات الذهبية القديمة إلى الأجيال اللاحقة كرمز للحب لدى كثير من الناس؛ الأمر الذي يُخلد أجمل الذكريات لديهم ويساعد على استمرارية التواصل العاطفي بينهم، فهي موجودة منذ قديم الأزل بل، تعدّ جزءًا لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية منذ عام 4000 قبل الميلاد.
ولقد امتدت الأهمية الرمزية للذهب إلى ما هو أبعد من خصائصه الفيزيائية، حتى بات رمزًا للألوهية والتنوير في العديد من التقاليد الروحية والدينية، وهناك أدلة دامغة تثبت بأن امتلاك الذهب يعدّ خيارًا حكيمًا لمن يبحث عن الجمال والأناقة المترفة، والاستقرار والقيمة المضافة في حياته؛ لتميزه بقوته الشرائية في أوقات عدم اليقين الاقتصادي وتقلبات العملة، فهذا المعدن النفيس لا يتميز ولا يتصف بديمومة جماله فحسب، بل بسهولة العمل به وتشكيله، زد على ذلك ندرته وقيمته الثمينة والغموض الكامن وراءه، إضافة إلى عدم قابليته للإتلاف لأنه من المعادن اللدنة القابلة للسحب!! حيث أن أونصة واحدة من الذهب تعمل سلسلة يصل طولها إلى 8 كيلو مترات، وإذا تم طرقها تنتج صفيحة رقيقة تكفي لتغطية مساحة 100 قدم مربع.
الجدير بالذكر أن معرفة العيارات المختلفة للذهب سيساعدنا في اتخاذ القرار المثالي عند الشروع في شراء أي قطعة ذهبية، وتُعدّ عيارات الذهب من أبرز المعايير التي تُحدد نقائه وجودته، حيث أن العيار هو نسبة الذهب الخالص في السبيكة، وكلما ارتفع العيار، زادت نسبة الذهب النقي.
*عيار 24: هو الذهب النقي بنسبة 99.9%، وهو الأكثر نقاءً ولمعانًا ولكنّه أقل متانة، لذا نجده أقل شيوعًا في المجوهرات اليومية وأكثر استخدامًا في الأغراض الاستثمارية.
*عيار 22: يحتوي على 91.6% من الذهب، ويتميز بمزجه بنسبة قليلة من المعادن الأخرى مثل النحاس أو الفضة، وبذلك تزيد متانته كما يحافظ على جزء كبير من نقاء الذهب، وعادة ما يُستخدم هذا العيار في المجوهرات التقليدية والثقافية.
*عيار 21 : يحتوى على 87.5% من الذهب و ممزوج بنسبة 12.5% من معادن أخرى، مما يمنحه توازنًا جيدًا بين النقاء والمتانة، ويُعتبر هذا العيار الأكثر شيوعًا في الأسواق العربية.
*عيار 18: يشمل 75% من الذهب و25% من المعادن الأخرى، مما يجعله أكثر قوة ومتانة، وهو شائع في المجوهرات الفاخرة التي تتعرض للاستخدام اليومي، ويتميز هذا العيار بتناغم جيد بين النقاء والمتانة.
*عيار 14: يحتوي على 58.5% من الذهب، وهو خيار اقتصادي أكثر؛ نظرًا لانخفاض نسبة الذهب فيه، كما يتميز بمتانته العالية وسعره المناسب، ويُستخدم بشكل واسع في صناعة المجوهرات العصرية.
والمدهش أنه تم تجاهل أكبر مخزون من الذهب المتواجد في قاع البحار والمحيطات؛ نظرًا لصعوبة انتشاله والتكاليف الباهظة المترتبة على ذلك والتي تحول دون الوصول إليه.
وفي المنظور الإسلامي نجد أن الذهب يحمل أهمية خاصة تتجاوز قيمته المادية فقد ذكر في ثمان مواضع مختلفة، حيث نقرأ الكلمة الواحدة في مواضع عدة ولكن لا تطلب نفس المراد وإنما تتبع صياغ الجملة ومن بعض المواضع التي ذكر فيها في القران الكريم قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } ، ( سورة فاطر : 33 ) .
وقوله تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، ( سورة الزخرف : 71 )
وأخيرًا يمكنني القول بأن كلمة (ذهب) في معاجم اللغة العربية لها دلالات ومعاني مختلفة…والجدير بالإشادة هو ارتباطها عالميًا بالجمال والكمال، فهناك العقول الذهبية، الأقلام الذهبية، الريشة الذهبية، النصائح الذهبية … وتظل القلوب النقية متألقة كالذهب.