لا تغرق و لا تعوم …
اختَر السباحة
من خلال بحرِ عملي في الاستشارات النفسية و الأسرية و الادارية لخمسةٍ و عشرين عاماً مضَت تردد على مسمعي خلال السنتين الماضيتين فقط عبارات تحمل مضمون عدم التركيز و التشتُّت ! من بعد سنة اللقاحات و الجائحة و غيرها من هذا الطرد و تبعاته ، و أعلمُ الآنَ أنك أيها القارئ العزيز الذكي قد ابتسمت و لمعت عيناك و لربما ارتفع إحدى حاجبيكَ .. و قد وصلك بعضٌ مما أقصد !
تكررت عباراتٌ فحواها الشعور بالعوم أو بالطيران ، و كأن عددا ليسَ بقليل قد أخذ جرعةً منومةً أو قام بجراحةٍ و يعاني من آثار التخدير الكلي بعد هذه الجراحة . في البداية عزوت الأمر لعجلةُ الحياة السريعة ، و حوسبةِ كلّ شيء ، لكن الأمر باتَ ظاهرةً مشتركة في كل الاستشاراتِ عندي ، فبات محبطاً أن يبدأ الغالبيةُ حديثهم بعبارة أحسُّ بالضياع ، و هذا الضياع آتٍ من أسبابٍ بتفسيراتٍ عديدة ، و لأنّ السؤال المهم هو (لماذا ؟ ) بينما السؤال الأهم هو (كيف ؟ ) فسأقدِّمُ كبسولةً سريعة لك بعد أن قدمتها لنفسي ؛ كيف نتدارك الأمر
و ما العمل ؛ فبعد الاستعانة بالله و احتساب الاجر على الصبر و المصابرة ، وضعُ وقت محدد للشاشات بغض النظر عن صلاح و نفع المحتوى ، ثمّ الصلاةُ على وقتها
و عدم الاستهانة بالورد اليومي من القرآن الكريم
و مِن اذكار الصباح و المساء .ثم الالتزام بالروتين اليومي في بيئةٍ منظمةٍ و نظيفةٍ و التخففِّ من الزيادات . و أرجوك أيُّ روتين نعم أيُّ روتين لأنّك ستعدلهُ مع الوقت ، أخرج ( الكمال باشا ) من حوارنا هنا !
ثم تكادُ تكونُ ملكةُ مقالتي اليوم بعد التعرض اليومي لأشعة الشمس الرحيمة هي الحجامة ، نعم و ما أدراكَ ما الحجامة بفوائدها الجمَّة ، و فوائدها الصحية و النفسية و فضلها في اعادة التركيز و ازالة التشتُّت ، و هي عمودٌ فقاري جاءنا من السنة النبوية و من الابحاث الطبية ، نُتبعها بالمشي مهما قلَّ و الرياضةِ البسيطة لكن المتراكمة .
شرب الماء و أخذ مكملاتٍ تعينك على المتابعة و كتابة قائمة اعمال اليوم لتجنب نسيانها ، و مصادقةُ دفتر يوميات للامتنان و لتفريغِ آلاف الافكار التي تداهمنا كل ثانيتين . و التواصل مع المحبين و الاصدقاء في دائرتك الاجتماعية .
لو قمنا بكلِّ هذا دون نسيان تمارين التنفس الصحيحة و النوم الكافي و المبكر و الاستحمام اليومي و رعاية هيئتك الخارجية و التي هي أساس الحالةِ النفسيةِ و ليس العكس ، كيف ؟ اذا تحسّن المظهر تحسنت النفسية ، أمّا عبارةُ مظهري هكذا بسبب نفسيتي فهي خرافة ندحضها بحقيقة ؛ مظهري يتبع نفسيتي فلطفاً اهتمْ بمظهرك مهما كان بسيطاً . قد يتراءى للبعض أنّ هذه الحلول بديهية لا حاجة لذكرها لكننا على ما يبدوا بحاجة للبساطة في حقبة التعقيد و للبديهيات في عصر تراكم الثانويات و ازدحامها و للتروي في زمن السرعة لنعلن من جديد فوز السلحفاة الذكية المثابرةِ على الأرنب السطحي المغرور .
و في الختام إن أردت ألاّ تعوم و و ألاّ تغرق فمن المهمِ و جدا ألاَّ تلوم نفسك و تجلدها بل شجعها و كافئها بعد كل إنجازٍ مهما كانَ صغيراً شرط أن يكون تراكمياً مكرراً فالإنجازات الصغيرة انتصاراتُ كبيرة حينما تتراكم .و كي تتقنَ نفسُكَ السباحة وَجّهها بحنو كصديقٍ عزيز و اسمح لها بالخطأ و اغفر لها غيابَ التركيزِ أحياناً فلسنا آلات و لا ماكنات . صفّق لها بين حين و آخر ، و تطهّر من خطيئة المثالية الزائفةِ ( كلُّ شيء أو لا شيء ) . على فكرة ستنسى مقالي هذا و تذكيري لكَ بعد أيام و لا بأس بهذا ، طبّق منه ما تستطيع و ما تتذكر فهذا ما أفعلهُ أنا دون أي ادعاء ،
يا عزيزي خُلاصة النجاةِ في مختصري الجديد ؛
إذا أردت أن تسبح بدل أن تعوم
فشجّع نفسَكَ بدلَ أن تلوم !!
أ. أسحار بنت يوسف
مستشارة نفسية في الوعي النفسي
مستشارة إدارية في إدارة الجودة