لا تستهن بالتاء !!
لا يمكن للمرء بحالٍ من الاحوال أن يستمتع بكوب قهوةٍ دون أن يشمه و يتذوقه و يراه
إنَّ هذه الحواس التي تجعله في الحيزِ الوجودي لنا ، تنقل هذا التراب السحري البني من حالة “المسحوق ” الى حالة “المرموق ” في محل رفع مزاجك العالي . و كذلك في اللغة العربية لا يمكن لك في حالٍ من الاحوال ان تتذوقها و ليس المعجم و النحو و الصرف جيران خلواتك الثقافية …
دعني اعطيك مثالاً كلمتي الالتزام و الالزام
لعلك في البداية ظننتهما كلمةً واحدة باطارات مختلفه ، لا عزيزي القارئ
تاء واحدة تجعلك على قيد الحرية
الالتزام لغةً هو أمرٌ اخترت القيام به على وجه الاختيار و فيه انضباطٌ ذاتي ألزمت نفسك به فالتزمت ….
بينما الالزام هو ما فُرض عليك القيام به و لزم عليك لزوماً ، و في حديث رسول الله حين ادراك المسلم لتشريعات دينه قال الحبيب ( عرفتَ فالزم ) و ما قال التزم ، لان تشريعات الدين قوانين سماوية لم تخترها بنفسك بل اخترت ديناً ألزمكَ بها…
في ادارة الجودة و مجال الوعي النفسي نقول ( المكان يُحتّم عليك القانون ) و هذه نقطةٌ لا يختلف عليها ناضجين اثنين ؛ ان القوانين بروحها و نصها وُجدت لتميز الانسان عن سكّان الغابات من طيور و مخلوقاتٍ أُخرى ،
و لكن دعنا نتحدث عن هذه التاء التي لربما استهنت بها عزيزي القارئ في بداية المقال ، و لو ادركت معناها لاجلستها على مقعدٍ منفردٍ بجانبك
الالتزام ان تقرر بحريتك و من تلقاء نفسك أن تمشي يومياً نصف ساعه و لا تتناول السكريات الا يوما واحدا في الاسبوع و ان تتجنب السهر قدر الامكان لترفع مناعتك ….
مما ….. سيغنيك عن الالزام ؛ أن يلزمك الطبيب يوماً ما بكرسي بعجلات او عكازٍ مبكر او منعٍ تام من كل النشويات و السكر الى الأبد ، او يمنعك جسمك و عقلك من النوم بعدما نال من راحتهما السهر المزمن او ما يُطلق عليه طبياً ( الانسومنيا ) …
هذه التاء البسيطة التي لربما يستهين بها البعض هي حلقةُ الوصل و كلمة السر التي ستردم الفجوة الأثريةِ المرهِقة فكرياً بين الفكرِ و السلوك …..
هذه التاء رمزُ حريتك في ان تختار مصلحتك قبل أن تفرضَ عليك …. و ألا تحرم ابنائك من تذوقها .
احترامك التاء أينما وجدتها يعني أنّك فهمت و بجدارةً معنى حرية الاختيار فتذوق النجاح تارة و الكبوة تارة …
ان تعطيها حرية الاختيار و تذوق السعادة تارةً و الحزن تارةً ، و ان تمنح ابنائك هذه التاء الحرةَ فيخطئوا و يتعلموا و يُحسنوا فيتنعموا و هذا ثاني اخطر درسٍ في التربية ؛ ألاّ تحرمهم من حرية التجربة المتكاملة .احجز لهم تذكر القطار و اجلس في آخر مقطورة …. كما يقول المثل الانجليزي الجميل ..
إنّ الفرق بين الالتزام و الالزام عزيزي القارئ
كالفرقِ بين الثرى و الثريا
و الفرق بين المطر و الضباب
كالفرق بين البُن و التراب و إن كان التراب يفوق البنَّ قيمةً حتماً إن كان من تراب الاوطان …….
حرية الاوطان تبدأ من سماحك لإبنك أن يختار و يتحمل نتائج الاختيار فيتعلم و يثبت على منفعته فالنفع دائمٌ و الضرر زائل بوعدٍ الهيٍ مهما طال …. تخيّل كم استهنت بالتاء اول المقال …..
أ. أسحار بنت يوسف
مستشارة نفسية في الوعي
و مستشارة ادارية في الجودة و التطوير